الرئيسية مقالات

الشر المطلق والممنهج 

المحامي علي حيدر 
نُشر: 20/08/25 22:25
الشر المطلق والممنهج 

الشر المطلق والممنهج 
المحامي علي حيدر 
لم يعد يمضي يوم دون أن يظهر إيتمار بن غفير، ما يُسمى بوزير الأمن القومي، في تصريح أوشريط فيديو مصور يحاول من خلاله التفنن و"ابتكار" وسائل جديدة لتعذيب وتنكيل الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية. وكان آخر هذه الممارسات مقطع فيديو نشرته اليوم (الأربعاء، ٢٠ آب) على منصات إسرائيلية، يظهر فيه بن غفير داخل أحد المعتقلات الإسرائيلية، بجانب صورة ضخمة تُظهر الدمار الذي أحدثته حرب الإبادة التي تمارسها حكومة إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة. وقد صرح بن غفير في الفيديو، وهو يشير إلى صور الدمار، قائلاً: "هذا ما يرونه [الأسرى] كل صباح عندما يخرجون لساعة الاستراحة في الساحة، وأعتقد أن أحدهم تعرف على منزله… هكذا يجب التعامل." 


وقد سبق نشر هذا المقطع مقطع فيديو آخر قبل عدة أيام، يظهر فيه بن غفير مقتحمًا زنزانة عميد الأسرى الفلسطينيين، مروان البرغوثي (١٣ آب)، المعتقل منذ عام ٢٠٠٢ والموجود بعزل انفرادي، وقد بدت عليه آثار التعب والإرهاق وهزال الجسد نتيجة سياسات العزل والتجويع، مصرحًا ومهددًا: "من يمس إسرائيل ويقتل أطفالنا أو نساءنا فسنمحوه، أنتم لن تنتصروا علينا." 


يختصر هذان المشهدان القاسيان ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال بشكل عام، ومنذ تولي بن غفير منصبه بشكل خاص، حيث يتعرض الأسرى والمعتقلون لسياسات القمع والتنكيل والتجويع والتعذيب، بالإضافة إلى الظلم والإستفزاز والعقوبة الجسدية والنفسية، المنافية لكل القوانين الإسرائيلية والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأسرى والمعتقلين. 


حتى أن قضاة المحكمة العليا (التي تعتبر في كثير من المواقف شريكة في هذه الممارسات) وجهوا، في جلسة مغلقة عقدتها المحكمة يوم الاثنين (١٨ آب)، انتقادات حادة إلى وزير الأمن القومي الإسرائيلي بسبب قراره منع ممثلي الصليب الأحمر من زيارة السجناء الفلسطينيين. وبحسب ما ورد في عدة مواقع وصحف إسرائيلية، من بينها صحيفة هآرتس، فقد شبّه القاضي يتسحاك عميت، رئيس المحكمة، ظروف السجون الإسرائيلية بما يحدث في معتقل غوانتانامو الأمريكي، قائلًا: "يُقال في العالم اليوم إن السجون في إسرائيل تحوّلت إلى غوانتانامو، هناك حديث عن مجاعة وموت السجناء، وأنتم تضعون المحكمة في الواجهة." وأضافت القاضية دافنا باراك إيرز: "حتى في أصعب الأوقات، لم يُمنع أهالي السجناء من معرفة مصير أبنائهم أو أماكن احتجازهم. كيف لا تُقدّم أي معلومة عن مكان وجودهم؟ هذا أمر غير مسبوق." 
وقد جاءت هذه التصريحات في إطار النقاش حول التماس قدمته مجموعة من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية للمحكمة، مطالبة إياها بالسماح لممثل الصليب الأحمر بزيارة الأسرى الفلسطينيين، وقد عُقدت هذه الجلسة بأبواب مغلقة وبحضور ممثلي الدولة فقط، دون السماح للملتمسين بالحضور. 


لا يمكن الاستهانة أو تجاهل تصريحات بن غفير، فهي ليست مجرد كلمات أو "بهلوانيات مدمن على وسائل التواصل الاجتماعي"، بل لها ترجمات وإسقاطات عملية فظيعة على أرض الواقع وعلى حياة الناس. وأيضًا، فهي ليست ممارسات عفوية غريزية، بل نتاج تخطيط مسبق لسياسات ممنهجة ومدروسة، لا يمثلها هو وحده، وإنما تمثل مجمل الحكومة بما فيها رئيس الحكومة وحزبه. 


صحيح أن هناك صلاحيات معينة لوزير الأمن القومي، ولكن هذا لا يخوله اقتحام زنازين المعتقلين بشكل شخصي، وتهديدهم وإذلالهم، فهذا يتعارض مع القانون الإداري الذي يحدد الصلاحيات ويُلزم بأن تكون قانونية وفي إطار المعقولية وبقدر ولهدف مستحق. كما أن التهديد أو المس بكرامة المعتقلين ممنوع وفق القانون الجنائي، وقانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، وأيضًا وفق تعليمات مصلحة السجون والمواثيق الدولية التي تحفظ حقوق الأسرى، والتي قام بن غفير بخرقها بشكل فظ ومقزز ودون رادع. 


لقد وضع بن غفير نصب عينيه، منذ توليه هذا المنصب، استهداف الأسرى والمعتقلين، هدم المباني والمنازل العربية، خصوصًا في منطقة النقب، التحريض على المجتمع العربي وقيادته وممثليه، اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه ومحاولات الاستيلاء عليه وتغيير الوضع القائم، المس بالرموز الدينية والوطنية( على سبيل المثال أيضاً، دعوته في جلسة الداخلية هذا الأسبوع إلى هدم قبر الشيخ عز الدين القسام والمدفون في بلد الشيخ منذ عام ١٩٣٥)، وتسليح المستوطنين واليمين المتطرف، والسماح بتفشي الجريمة والعنف في المجتمع العربي دون محاسبة ودون أن يقوم بواجبه ومسؤوليه. 


وليس بن غفير وحده، بل هناك قوى كبيرة في المجتمع الإسرائيلي تدعمه وتؤيده، وهو يمثل الفاشية والكراهية والشر المطلق تجاه الفلسطينيين والعرب، وممارساته مصادق عليها من قبل الحكومة بأكملها. والأهم من ذلك، يسعى بن غفير إلى ضرب الأسافين وجر المجتمعين العربي واليهودي في البلاد إلى حرب أهلية. 
لا يمكن قراءة ممارسات وسياسات بن غفير بمعزل عن سياسات الحكومة العامة، خصوصًا فيما يتعلق بالتجويع والتهجير والقتل والإبادة التي يتعرض لها أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة، أو عن سياسات توسيع الاستيطان والعنف اليومي في الضفة الغربية ضد أبرياء ومعزولين. 
لا يمكن السكوت على هذه السياسات الفاشية، بل يجب وضع حد لها والعمل في جميع الاتجاهات وعلى جميع المستويات، وجميع الساحات المحلية منها والدولية، من خلال إستخدام الاستراتيجيات القانونية والإعلامية والشعبية والسياسية وغيرها وبشكل متكامل ومنسجم.
إن سياسات بن غبير لا تنبع من نزعة فردانية، بل تمثل منظومة فاشية ومسيانية خطيرة يجب مواجهتها. وعلى المجتمع اليهودي إدراك وفهم أن هذة السياسات لا تشكل خطراً على المجتمع الفلسطيني والعربي فحسب بل تهدد القوى الديموقراطية اليهوديةأيضا. ولذلك، يترتب أن يكون النضال في هذا السياق مشتركاً وحقيقيا.